
بقلم : الدكتور جورج شبلي
١٩ كانون الاول ٢٠٢٥
التَّرِكَةُ، في اللّغة، هي مجموعُ ما يتركُهُ المُتَوَفّى للباقينَ من أهلِه، أو لِمَن يوصي بهم. أمّا في الفِقه، فهي تشملُ كلَّ ما يتركُهُ المَيتُ من أموالٍ، ومنافع، وحقوق، من دون إِغفال ما يتعلَّقُ بالتّركةِ من حقوقٍ للغَير، كالدُّيون، والقُروضِ… يمكنُ للتَّرِكةِ أن يبدِّدَها المُستَهتِرون، إذا مالوا الى بَريقِ الدّنيا، أمّا إذا لاحظَها المستفيدون بالعناية، فالمَردودُ غيرُ شَحيح.
التَّرِكةُ، في الحكم، عندَنا، ليست سوى تُحفاتٍ بَهِيَّة ( اسم الله !! )، كالعلامةِ التي تَقرعُ بابَ الزَّمن، خصوصًا بِما خلَّفَته، في بلادِنا، من ” حَلوى العَيش”، ومن مُحاضراتٍ لتَأجيجِ ” الوَعيِ الوطنيِّ”، والتي ينبغي أن تُدَرَّسَ في مناهجِ التربيةِ الوطنيّةِ، ليَثبُتَ، معها، مفهومُ الانتماءِ السَّليمِ الذي ينتمي الى ذِريّةِ الولاء ؟؟؟
بينَ الحُكمِ وبين بعض المُتَرَبِّعين على رؤوسِ الناس، ( وهم معروفون )، عِشرةُ عمر، واستِطابةٌ فطريّةٌ لِمَواقِعِه، ومَحاسِنِه، بحيثُ لا تَخمدُ نارُ اشتياقِهم إليه، يَرجونَ امتدادَ إقامتِهم في رُبوعِه، ويعملون حتى تكونَ هذه الإقامةُ أزَليّة. فمواقعُ النِّعَمِ في مؤسّسات الدولة لا تنضبُ، كما لا تَنضبُ في مُخيَّلاتِهم منابعُ الابتكارِ لاستغلالها وابتزازها، وقد نجحوا في تسجيلِ أَعلى نسبةٍ من الإِلفةِ بينَها، وبينَهم، فلا تَنافُرٌ أو شِقاق.
في عهدِ المَكارِهِ، كما من قبل، اقتحمَ الحكمَ ” مُترَفو الموهبةِ ” في إدارةِ الدّولة، وكان حالُهم معها كَحالِ علي بابا مع الكُنوز، فقد استماحوا خزائنَها لكي لا يكونَ في غَلَّتِهم ظَمَأ، لذلك، أَعطَوا ما يُستَوجَبُ من جهدٍ ووقتٍ لتَرصيعِ يواقيتِ النَّهب، وكلُّ هذا، من دونِ شَكّ، ” للمصلحةِ العموميّة ” !!!. وقد أسَّسوا فرقةً للتَّبادُل، تُصافِحُ يُمناها الوطنَ، وبشِدَّةِ شَغَف، على المَلَأ، وتَروغُ، كالثَّعالبِ، وبمَكرٍ ماهر، ما تركَ، في الوطن، المَآثِرَ التي لا تُنسى.
أمّا التَّرِكةُ التي أَتحفَتنا بها تلك المنظومةُ النّادرةُ، المُلتَصِقةُ بأكثرِ مراحلِ الانحطاطِ، والكارهةُ للنّزاهةِ، والصّدقِ، فمُطَوَّلاتٌ لا تُحصى في فنونِ السَّرقةِ، والابتزازِ، والتَّبَعيّةِ، والتَّنفيعاتِ، والسَّمسرات، هي، في مفهومِ هؤلاءِ النَّموذجِيّين في الأَداءِ السياسيِّ، والوطنيّ، الكَمالُ في النَّقاءِ، والعطاءِ… والبَلاء. لقد استغلّوا عِشرةَ السلطةِ في استدراكٍ لِما فاتَ غيرَهم من خُطَطِ استنزافٍ للمواردِ، وتَحنيطٍ للنموّ، وتسطيحٍ للاهتمامِ بمَطالِبِ الناس، وتَسويفٍ للمشاريعِ المُنتِجة، وتَشويهٍ لِطَلَّةِ لبنانَ على العالَم…بالإضافة الى تهميشٍ مقصود لحقوق المنتشِرين الذين هم، في الواقع، أكثرُ التصاقًا بالوطن من غالبيّة المُقيمين… إنّ تَرِكةَ جهابذة السّلطة، لم تَصدمْ أَحدًا، فارتباطُهم العُضويّ بالخَلقِ الشَّنيع، كان مَرجعَ عَفويّتِهم الخَلّاقةِ في استنباطِ الموبِقات، خدمةً لمصالحِهم المَقيتةِ، وأهدافِهم البَغيضة… وكلُّ هذا ” خِدمةً للبنان”!!!.
” أنا أسرقُ، إذن، أنا موجود “، هو عنوانُ التَّرِكةِ التي يمكنُ أن يتلقَّفَ قدسيَّتَها بعضُ المُستَفيدين الحالِيّين، فهي لَقِيَّةُ الدَّهر، وإِرثُ الأَعيان، وخَوارقُ المُحتَرِفين، وبَصمةُ المُبدِعين في إدارةِ شؤونِ الوطن. وتَمويهًا لفِعلاتهم العظيمة، لا يزالون يُطلِقون تصريحاتِهم المُفَوَّهة، ويكرِّرونَ ظُهوراتِهم السّاحرة، وكأنّهم مَطالِعُ الشُّموس، وهم لا يدرون، أو أنّهم يدرونَ ويستهزِؤون بنا، على الأَرجَح، بأنّ ذُنوبَهم لن تمرّ، فهناك هزَّةٌ ارتداديّةٌ للشَّعبِ المَقهور، والمنهوب، بحيثُ لن تمرَّ موبقاتُهم الكثيرة مرورَ الكرام.
إنّ ثاقِبي النَّظَر في شؤونِ اللّعبةِ السياسيّة، والذين بمَقدورِهم التَّمييزُ بين الشِّعاراتِ الخُلَّبيّةِ، وبينَ تَطبيقِها بالفِعل، لا يعطونَ ائتِمانًا موثوقًا لما تستطيعُه هذه الحكومة، بالرَّغمِ من اقتناعِهم، نَظَريًّا، بأنّ الوضعَ مع حكومة، أفضلُ منه بدونِها، وبأنّ الضّغوطَ الخارجيّةَ التي أَولَدَتها، ستضخُّ دَعمًا ماديًّا، ومعنويًّا، اتِّقاءً لإنهيارِ البلد، ليسَ إلّا، فالمرجعيّاتُ الدَّوليّةُ ربَّما لا تَسَعُ جُعبتُها لِأَزمةٍ إضافيّةٍ، فممنوعٌ، حاليًّا، إِزكاءُ موقدةِ لبنان.؟؟؟
وبعد، إنّ المطلوبَ، أيّها الآتونَ لافتتاحِ عصرِ الانتقالِ الى زمنِ الدولة، كما نَسمعُ في تَسطيراتِكم، ألّا تَقتَبِسوا تُرَّهاتِ مَنْ سبقوكم، والتي أَفصَحَت عن تَدَهورٍ دراماتيكيٍّ على مستوى السّلوكِ السياسيِّ، والوطنيِّ، لهؤلاء، ولا سيّما في حقّ المنتشِرين بالاقتراع، كما المُقيمين. ولا تَدَعونا نحشرُكم، معهم، في مَضبَطةِ الاتّهامِ باغتيالِ الحقّ، والافتراءِ على الحقيقة، ونُتلِفُكم، كما هم، كَومةً مُلَوِّثَةً أَنزَفَتْ قلبَ الوطن، وشَلَّت أَمَلَ أهلِهِ بالأَفضل.
رجاءً، دَعوا الرَّفشَ يَسقطُ من يَدِنا….
