
بقلم: الياس كساب
رئيس التحرير، باحث في الشؤون الاغترابية، واللبنانيّة، والعربيّة
١٢ كانون الاول ٢٠٢٥
حين سقط جبران التويني شهيداً، انتصرَ القلم، وأُعلِنَ العُنفُ انهزاماً لِعقلِ صاحِبه!
فالشهادةُ انتصارٌ لثقافة الحياة، وحين تصبح موتاً من أجلِ الموت، يتحوّل، تلقائيّاً، “شهداءُ” حاملي السلاح ضحايا فكرهم: فهم ضحايا العقلِ الأحاديّ، والفكرِ المُعلّب، والديكتاتوريّة، أو التوتاليتاريّة الدينيّةِ، والأنظمة الإرهابيّة، لأنّهم سقطوا، ويسقطون، في خدمةِ طغاةِ شرقنا المتحالفين، والذين يتوالدون من رَحِمٍ واحد: فلا قيمةَ للفرد في هذا الفكر الإلغائي، ولا دور، فهو رقمٌ مشلولُ الإرادة، مُنصاعٌ لديماغوجيّةِ “التقديسِ الماورائيِّ” الأعمى، أو أداةٌ بيد الدكتاتور، فلا عقلَ خلفَ الزِناد، بل كتلة مفاهيم جامدة، غاضبة، شحنها الطاغية في عقول أتباعه لتبرّر الجريمة.
وحين يُصبحُ السلاحُ “مُقدّساً”، تُستباحُ “الفرادةُ الحُرَّة”، فيَغتالُ “العددُ” الديمقراطيّةَ، وتضحي “الجماهيرُ” قُطعاناً يجرّها “مجنونُ عظمة”، يجعلُ الرأيَ الآخرَ عدوَّ “الأمّة”، فيجب نحرُه!
وبحزنٍ كبير، قافلةُ “الشهداء الضحايا” من جماهير هذا العقل المهزوم لمّا تزل تُضرِّج تاريخَ شعوبنا بدماءٍ تُسفكُ رخيصةً، وهباءً، على مذبحِ الطاغية، ولن تتوقّف، هذه القافلة، حتى تتحرّر النفوس، ويستفيق المنطق، فيتلمّس المتغيّرات، ويعقِل مسار التاريخ، ويدرك أنَّ الطغاةَ زائلون، وأنَّ حبر الأقلام القاني سيقضُّ مضاجعهم، وسيبقى نبراسَ الشعوب، ومن لم يُصدّقْ بعد، فليتأمّلْ، ولو للحظة، بما حلّ بطاغيةِ دمشق الهاربِ من عيونِ شعبه، من دموعِ الثكالى، ومن دماء الأبرياء المُنتَصِبة كالقدر في وجهِ الظُلم والجريمة!
قلم جبران التويني أرعبَ، ولمّا يزل يرعبُ الطغاة، هو الناشرُ للحياةِ في الموت، وهم ناشرو الموتِ في الحياة!
هم محكومون بالزوال، وهو خالدٌ، وعامِلُ نهضةٍ في العقول الحُرّة، ومُحفّزُ الأجيالِ التوّاقةِ لفجرٍ جديدٍ، وسيبزغ، هذا الفجر، ليس من “الأنفاق” المُظلمة، بل تحت الشمس، وفي وضحِ “النهار”!
خافوا من “قسَمِهِ” يتردّد في القلوب والعقول حُريَّةً، من ساحةِ الحُريّة!
خافوا من صوتهِ يتردّد في قلوب بنات وأبناء لبنان، كصدىً جارفٍ يُطيحُ بفكرٍ ظلامِيٍّ أرادوه لنا مقبرةً لأحلامِنا، ونهايةً لرؤانا، وقَيداً لأقلامِنا، قتلوه، فإذا بهِ كشقائقِ النُعمان، أحمرهُ يزهِر في حقولِ النضالِ ربيعاً لفجرٍ جديد!
خاف عليهم، فخافوا منه، هل لأنّه أضاءَ على قلوبهم التي أطفأتها العتمة؟!
خاف عليهم من أنفسهم، فخافوا منه، لأنّهم لا يحتملون مواجهة الحقيقة التي تعرّيهم أمام أنفسهم، قبل الآخرين!
خافوا منه، لأَنَّ قلمَه الذي رفعه على الملأ، أقوى من الصواريخ، فهي تنفجر في المكان، وتزول، وأما قلمه، فينفجر في الزمان، ويتردّد عبر النفوس الأبيّة، فهو من لَدُنِ لبنان!
هو الفكرُ الأمين، و”نقسم بالله العظيم” أنّه سيبقى نفحَ الحريّةِ في هذا الشرق الحزين، “إلى أبد الآبدين”!
