
بقلم : الدكتور جورج شبلي
٣١ كانون الاول ٢٠٢٥
يا آنستي السنة 2026 ،
يُسعدُني أن أتوجّهَ إليكِ برسالةٍ هي موجةُ خواطر راودَتني خلالَ المواضي من الأيّام. لقد حرصتُ، في مستهلّ الرسالة، وأنا أتوجّه إليك، على إضفاء لَقَب ” آنسة “، لا سيّدة، وليس ذلك للتّقليل من مقامِك، أبدًا، بل لأنّكِ لا زلتِ في مقتبلِ العمر، ولم تتزوّجي من الأيّام، بعد، لتُنجِبي أحداثًا نرجو ألّا “يكونوا” شِرّيرين، عاقّين، دمويّين، على غِرار أولاد خالاتِهم القريبات العَهد، 2023 و 2024 و 2025، اللّواتي وَضَعنَ لبنان تحت المقصلة، فاغتيل الكيان، وسُحِقَت الهويّة، وحُوِّلَت حياةُ النّاس مواسم أَلغام، وأُطيحَ بالسيادة، وصودِرَ القرار الوطني، وأَشعلَ المستَقوون حربًا لم يُرِدْها الشّعب، فَجُرَّ الوطنُ، قهرًا، الى ما هو أشدُّ قُبحًا من جهنّم.
أمّا بعد،
رحمَ اللهُ ” أبو تمّام ” الذي قال عن تنبُّؤات المُنجِّمين : ” تَخَرُّصًا وأحاديثًا مُلَفَّقَةً …”. وعلى خُطاه، لن أقترفَ خطأَ تَبَنّي ما يُسمّى بتوقّعات المُبَرِّجين، والضّارِبين بالرَّمل، الذين يحمّلونكِ، رغمًا عنكِ، ما لم تتوقّعيه أنتِ بالذّات. قولي لهؤلاءِ المُلَفِّقين : لن أُضَيِّعْ وقتي بظهوراتِكم النَّكِدة، والمُتَنَطِّحة الى تَوقّع المجهول من الغَيب، إنّ أيَّ غَبِيٍ، إذ يستندُ الى بعض المعلومات المتداولة، يمكن له أن يصلَ الى أكثرَ مِمّا توهِمون النّاس بتوقّعاتِكم الهذيانيّة …
آنستي العزيزة،
ولمّا لا يهمّني، كما الكثير من مواطنِيّ، إلّا لبنان الغالي، لبنان العزّ، في قديمِ عهدِه وفي حاضرِه، أرجو منكِ أن تعودي الى خالاتِكِ في خمسينيّات وستّينيّات، والنّصف الأوّل من سبعينيّات القرن الماضي، واللّواتي عَمِلنَ على تحقيق مشروع قيام الدولة القادرة التي يتمتّعُ أهلُها بالسلامة والأمن والأمل، والعيش الحرّ… دولة تبسطُ سلطانَ القانون على كامل أرضِها، من دون وصاية أو انتداب، وتؤكّدُ على نهائيّة كيانها في مسيرةٍ سرمديّة.
أو تفضَّلي بالعودة الى غابر أيّام خالاتِك اللّواتي ينتمينَ الى شعبٍ أبيٍّ مِقدام، اكتشَفَ قبلَ الاكتشافات، وسَنَّ مبادئَ قبلَ الشّرائع، واحترمَ الحريّات فيما النّاس أسرى القَهر، وكتبَ التاريخ فيما مصيرُ الشّعوبِ كالِح … أولئكَ هم أجدادُنا أهلُ فينيقيا، أَصلُ أصلِنا، الذين وضعوا المبادئَ السّبعةَ في عرين خالتِكِ السنة 3200 قبل الميلاد، والتي ميّزَت مجتمعَهم بخصائص تتجاوزُ الكثيرَ ممّا يعتمدُه بعضُ الشّعوب في يومنا الحاضر.
والمبادئ السّبعة التي تجعلُنا نفتخر بأنّنا من عِرقِ فينيقيا، هي :
- اعتماد الطُّرق السلميّة في حَلّ النزاعات
- سَنّ نظام للتجارة بين شعوب الأرض
- إنشاء شراكة بين الأُمم
- التسامُح الدّيني والعقائدي
- احترام المرأة
- المساواة في الحقوق بين الجميع
- احترام الخصوصيّة الفَردية
إذا أردنا أن نُقيمَ مقابلة بين هذه المبادئ وما تَبَنَّتهُ جمعيّة الأمم في وثيقة شُرعة حقوق الإنسان، بعد الحرب الكونيّة الثانية، لا بدّ من أن نقعَ على تَوافقٍ تامّ، وكأنّ الشُّرعة استُنبِطَت من المبادئ. ولعلَّ عظيمًا من عندنا، هو شارل مالك الذي دَبَّجَ الشُّرعة، قد اطَّلَع على مبادئ الفينيقيّين، وتأثَّرَ بمضمونِها، ولا عَجَب، فهو سليلُهم، يُشبهُهم ذكاءً وفطنةً، وعِلمًا وتفوّقًا…
آنستي الكريمة،
لدَيكِ أنموذجان يتماهيان في نشر النّظام، والرقيّ، والأمان، وفي رفع اسمِ لبنان عاليًا، على أنقاضِ ما تركَهُ، قديمًا وفي واقعِنا الحالي، جماعةُ البرابرة ومصّاصي الدّماء، والفاسدين من كلّ نوع، والمستَقوين على الشرعيّة التّابعين لما وراء الحدود… فاذهبي، رجاءً، ورحمةً بلبنان وأهلِه الحقيقيّين، مُقيمين ومُنتَشِرين، الى ما يُريكِ وجدانُكِ.
ودمتِ …
