
الياس كساب
رئيس التحرير، باحث في الشؤون الاغترابية، واللبنانيّة، والعربيّة
في حديثه إلى نقابة المحرّرين، بدا الرئيس جوزف عون عاتباً بغضب، وغاضباً بعتب، وبين الغضب والعتب يستدعينا هدوء ما بعد العاصفة إلى التساؤل المقرون بالدهشة: أين نحن؟ وإلى أين؟!!
ولكي نستطيع أن نجيب على هذين التساؤلين، ننطلق من قول فخامة الرئيس: “إنّ منطق القوّة لم يعد ينفع، ويجب الذهاب إلى قوّة المنطق”، ونحن، إذ نؤيدُه إلى أقصى الحدود في هذا القول، نعتبر أنّه حدّد، ليس موقفاً سياسيّاً صارماً فحسب، بل، وكأنّه أعلن بالمقابل أنّ على الحلبة لا يزال الصراع محتدماً بين “القوة” و”المنطق”، ولكن، ولأنّ الصوت ارتفع بوجه الجميع، والجوّ لوّثه “السمّ”، والخطاب أضاف على الغموض غموضاً، من حقّنا أن نخاف، وقد ارتفعت النبرة، لأنّه يبدو كأنَّ “الربّان”، في عاصفة المتغيّرات الإقليميّة والدوليّة، يخاف على المركب من البحّارة الذين يُجذّفون، كُلٌّ على ليلاه، أو لعلّ بعض البحارة، كما يبدو من الكلام المحموم، بدأوا يفقدون الثقة بالقبطان!!
بين أهل القوة وأهل المنطق
- أهل “القوّة” معروفون يا فخامة الرئيس، هم الذين أحكموا قبضة نظام الأسد على لبنان، واستبدلوا الاحتلال السوري باحتلال إيراني، وأطبقوا بالسلاح على مفاصل الدولة، وشرّعوا الحدود للجريمة المنظمة، والفوضى، والسلاح، وتحالفوا مع منظومة الفساد تغلغلاً في المناصب الأمنيّة، والقضائيّة، واستعملوا دماء شباب لبنان في حروبهم العبثيّة في الإقليم، واستقدموا الحروب والدمار.. هؤلاء يا فخامة الرئيس، لا يفهمون بـ”المنطق”، لأنّ خيولهم الجامحة مربطها طهران! فإذا لم يكن مطلوباً نزع السلاح بمنطق القوة، فنزعه بقوّة المنطق، منطق القانون، والدستور، فواجب، ولكن، على قاعدة تحديد الهدف بوضوح، فلا نعقدنّ اتفاقاتٍ مع السلاح باسم الشيعة، بل مع الشيعة لنزع السلاح!
- أمّا أهل المنطق فمعروفون، يا فخامة الرئيس، هم أنتم، متسلحاً بخطاب القسم، ودولة الرئيس سلام متسلحاً، وحكومته، بالبيان الوزاري، هم الأحزاب والتيارات السياسيّة والمدنيّة السياديّة التي انتخبتكم، ودعمتكم.
لكن تذكّروا، جميعكم، من قهْرِ الناس ارتفعتم، هم من ذاقوا الأمرّين من السلاح ترهيباً، وتنكيلاً، هم اللبنانيّون الذين سُرقت أموالهم، وتبدّدت آمالهم، وتغرّب بناتهم وأبناؤهم، وهم الذين رأوا، على مرِّ السنين، كيف يُحاكم الضحيّة، ويُبرّأ المجرم..
هؤلاء، يا فخامة الرئيس، تستفزّهم مظاهر السطوة القديمة التي لا تزال معشعشةً، ليس في الأمن والإدارة والسياسة والقضاء فحسب، بل خنوعاً في الصدور! يستفزهم أن يروا مخلفات هذه السطوة محظيين في السلطة، ولن يغفروا التساهل في استمرار الدولة العميقة على حساب “منطق” الدولة!
كلامٌ، قد يكون ثقيل الوقع، لا بد من قوله، لـ”أهل قوة المنطق”، كلّهم، سلطةً تنفيذيّةً، وأحزاباً، وتيّاراتٍ وكتلاً: قبل أن “تسمّموا” جبهتكم، ألا أزيحوا من صفوفكم، ومن بينكم، ومن مستشاريكم، من يدّعي المقدرة، وهو “يستغبي” الناس، و”الشطارة”، وهو “يستعدي” العالم العربي، وملَكةَ الطروحات “الاستراتيجيّة”، وهو “يتذاكى” على دول القرار، وليس لديكم، ولدينا، ترف الوقت، أبعدوا، كلُّكم، المُصفقين، والانتهازيين، لأنّهم أوصدوا الأبواب التي فُتحت، في الداخل الذي انقلب على المنظومة بعد الحرب، وفي الخارج الذي يجهد لإخراج لبنان من لائحة الدول المارقة، فلكلّ زمنٍ جديد عُدّةٌ جديدة، وإلا ابتُليتم وابتُلينا بالمراوحة، وسيُقرّر الآخرون مصيرنا!
ألا قرّبوا من يُصدِقونكم الرأي، ولو خالفوكم، كي تستقيم أموركم، علَّ اللبنانيّين يستعيدون الثقة التي اهتزّت، إذا ما أردنا، حقيقةً، أن تسود “قوّةُ المنطق”!