
بقلم: الياس كساب
رئيس التحرير، باحث في الشؤون الاغترابية، واللبنانيّة، والعربيّة
١٨ كانون الاول ٢٠٢٥
معالي الوزير
نودّ في البدء أن نحيّيكم على جرأتكم، وعلى إعادة وزارة الخارجيّة والمغتربين إلى دورها الوطني السيادي، بعد أن كانت الوصايات قد عبثت بدورها، وتاريخها، فجيّرت علاقاتها وقدراتها الدبلوماسيّة في خدمة المنظومة الراضخة للسلاح، فلم تترك للبنان صديقاً، لا بل أمعنت في الاستقالة من دورها التاريخي، في مسيرة رضوخ للاحتلال السوري، وفيما بعد لوريثه الاحتلال الإيراني.
ونحن، يا معالي الوزير، كمغتربين، نثمّن عملكم وسعيكم الدائم لإعطائنا حقوقنا في الاقتراع للـ ١٢٨ نائباً، ونحيّيكم، ونحيّي حكومتكم على إنجاز مشروع القانون المُعجّل المُكرّر الذي أرسلتموه للمجلس النيابي بهذا الصدد.
ولكننا، يا معالي الوزير، لمّا نزل نحسّ، ونتلمّس، ونكتشف أنّ الدولة العميقة أقوى من القانون، وهي جاثمةٌ على صدور اللبنانيّين، مقيمين ومغتربين، تُعطّل مشاريع القوانين تحصيناً لقوّتها، وتخالف القوانين المرعيّة حمايةً لجماعتها وللفساد، وتقضي على التفاؤل الكبير الذي حظِينا به مع العهد الجديد وخطاب قسمه، ومع الحكومة الجديدة وبيانها الوزاري.
ونحن، إذ نرى فيكم أملاً، ونشدّ على يدكم، نرفع لكم شكاوانا، كمغتربين، والتي أنتم معنيون بها، كوزير، وكوزارة، وهي تمسّ مصالحنا، وتشوّه دور الدولة الحقيقي والمأمول في الاغتراب الذي لا يستسيغ الممالقات، والصفقات، وتمرير الأمور من تحت لطاولة، ولن يغفر لأحد استرضاء الدولة العميقة الفاسدة!
وإذا كنا، كمغتربين، قد أخذنا على عاتقنا، سابقاً، أمور سيادة وحريّة واستقلال لبنان، وحاولنا أن نجمّل صورة لبنان في المحافل الدوليّة، يوم كانت وزارة الخارجيّة والمغتربين “مصادرة”، فكنّا وقتها النقيض والناقد، فقد ارتحنا اليوم بأنّ هذا الدور استعادته وزارتكم، كأسلافكم العظام، من شارل مالك، وفيليب تقلا، وفؤاد عمون، وفؤاد بطرس، وغسان التويني..
ولكن، يا معالي الوزير، هناك قضايا عالقة، أو مستجدة، لا يمكن أن نتهاون بها، وهي إذا لم تعالج جذريّاً ستبقى دليل ضعف من قبل وزارتكم الموقرة لا تريدونه، ولا نريده لها، فلا بد من وضع حدٍّ للخلل، فيكفي ما أصاب المغتربين من سرقة لودائعهم، فهم حسّاسون جداً في مراقبتهم لبعض ما يجري، وإذا ما بدأوا بالشعور وكأنّ الأمور عادت إلى زمنِ وصايةٍ ظنّوا أنّه انتهى، فإنّ من شأن ذلك أن يهدد الثقة التي بدأت تعود إلى نفوس أهلنا المنتشرين، والتي بدونها لا قيامة لاقتصاد لبنان، ولا حل لأزمته المالية، ولا استثمارات، بل ديوناً من صندوق النقد والبنك الدولي.
ونحن يا معالي الوزير نلفت، وباحترامٍ شديد، انتباهكم لما يلي:
- لا يمكن لأي قانون انتخاب يتعلق بالمغتربين إلا أن يكون مرفقاً بقوانين تسهل تسجيلهم، وعلى رأسها السماح للقناصل والسفراء الذين يعطيهم القانون سلطة كُتّاب العدل، لتسهيل معاملات حاملي الجنسيّة للحصول على الهويّة اللبنانية، والتصديق على البصمات، (ولديكم ١٢٠ آلة للبصمة وأنتم بحاجة لثمانين فقط)، إنّ عرقلة اقتراع المغتربين بدأت من العرقلة الإدارية وعدم استعمال المكننة في وزارة الداخلية، فكيف يمكن للمغترب أن يتسجل للاقتراع إلكترونيّاً، ولا يستطيع أن يحصل على أوراقه الثبوتية بنفس التقنيات في القرن الواحد والعشرين؟ هنا تكمن العرقلة المقصودة، قبل عرقلة الدولة العميقة في التصديق على القانون.
- في بيانٍ لوزارتكم أعلنتم أن لا علاقة لكم بالدعوة للـ LDE، ونشاطها الذي سيقام في لبنان في نهاية شهر كانون الأول ٢٠٢٥، وبالتالي أعلنتم أنكم لا تتحملون المسؤولية المتعلقة بالتنظيم، أو بالمحتوى لهذا النشاط، وفي الحقيقة إنّ وزارتكم الموقرة تتحمل مسؤوليات قانونية ومعنويّة شتّى، متعلقة بالدعوات، بالمال العام والخاص:
- إنّ وزارتكم تتحمل مسؤولية استعمال داتا المغتربين: آلاف الأسماء، وأرقام الهاتف، والعناوين، والعناوين الإلكترونيّة، والمعلومات الشخصيّة المعطاة من السفارات اللبنانيّة، واستعمالها، في مخالفة للقوانين اللبنانية والعالمية، لأنها سرقة واجتياحٌ للخصوصيّة سمحت بها وزارتكم، وأنتم عرضة لملاحقات قانونيّة إذا لم تُمنع من استعمالها مؤسسة “الطاقة الاغترابيّة اللبنانيّة”، والتي لا علاقة لها بوزارتكم رسميّاً، والتي تأسست، بموجب علم وخبر صدر في الجريدة الرسميّة، في العدد ٢٤ من السنة ١٥٨، بتاريخ ٢٤ أيار ٢٠١٨، وموقع من وزير الداخلية نهاد المشنوق، كمؤسسة خاصة.
- إنّ وزارتكم مسؤولة عن ملايين الدولارات التي صرفت من المال العام على حساب المكلف اللبناني على هذه المؤتمرات في لبنان والعالم، والتي تحولت إلى نفوذ حزبي، وتُطلب المحاسبة من قبل وزارتكم حول هذا الموضوع!
- والسؤال الذي يجب على وزارتكم الإجابة عليه: من يملك البيوت الاغترابيّة التي أقيمت في البترون، والتي جُمعَ لها الأموال من المتبرعين المغتربين، إذا كانت وزارتكم، أو وزارة السياحة، أو بلدية البترون، نعتبر أنّ حقوقنا وصلتنا، أما إذا كانت مؤسسة “الطاقة الاغترابيّة اللبنانيّة” هي المالكة فمن حقنا مطالبتكم بوضع اليد عليها.
- حصلت في الأيام المنصرمة عودةٌ على بدء في موضوع الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، نحن نأسف أن يؤخذ موضوع الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم بخفة، فيحضر مدير عام المغتربين مؤتمراً لمجموعة وضعت اليد على مركز الجامعة في بيروت أيام الوصاية السورية، وحاولت كمّ أفواه المغتربين أبان وجود هذه الوصاية، فانفجر الاغتراب وانتزع الجامعة من براثن الوصايات سنة ٢٠٠٠، وتسجلت في الخارج كمؤسسة عابرة القارات، وكعضوٍ في المنظمات غير الحكومية للأمم المتحدة، وفي المجلس الاقتصادي والاجتماعي للمنظمة العالمية. نحن نأسف لإعطاء الإذن لهذه المجموعة من قبل وزارة الداخلية، وبحقهم قرار قضائي يمنعهم من الحصول على ذلك، ونأسف لاستقبال المسؤولين الرسميين لهم، فلقد خُيّل لنا، لوهلةٍ، أنّ الوصاية عادت، أو لعلّ الموضوع، وهو الأرجح، أنّ مشروعاً مرتبطاً بالدولة العميقة التي تحارب حق المغتربين في الاقتراع كانت وراء ذلك، لخرق الموقف الثابت في حقنا بانتخاب الـ ١٢٨ نائباً، ولو ظاهريّاً، وللأسف وقعت الدولة في شركه!
نأسف لما حصل، بالطبع لن يؤثر على موقف المغتربين الصلب، لكنه سيشوّه، بالطبع، مسيرتكم، ومسيرة حكومتكم، ومسيرة العهد الذي دعمناه، ولا نزال، بكل ما أوتينا من قوة، ونربأ بأن يقع بالخطأ الذي نرجو ألا يكون مقصوداً، وان يكون الرجوع عنه فضيلة.
بكل محبة واحترام!